الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين
.شَفَقَةُ التَّاجِرِ عَلَى دِينِهِ: الْأَوَّلُ: حُسْنُ النِّيَّةِ فِي ابْتِدَاءِ التِّجَارَةِ، فَلْيَنْوِ بِهَا الِاسْتِعْفَافَ عَنِ السُّؤَالِ وَكَفَّ الطَّمَعِ عَنِ النَّاسِ اسْتِغْنَاءً بِالْحَلَالِ عَنْهُمْ وَاسْتِعَانَةً بِمَا يَكْسِبُهُ عَلَى الدِّينِ وَقِيَامًا بِكِفَايَةِ الْعِيَالِ لِيَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بِهِ. وَلْيَنْوِ النُّصْحَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُحِبَّ لِسَائِرِ الْخَلْقِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَلْيَنْوِ اتِّبَاعَ طَرِيقِ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فِي مُعَامَلَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلْيَنْوِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي كُلِّ مَا يَرَاهُ فِي السُّوقِ. فَإِذَا أَضْمَرَ هَذِهِ النِّيَّاتِ كَانَ عَامِلًا فِي طَرِيقِ الْآخِرَةِ، فَإِنِ اسْتَفَادَ مَالًا فَهُوَ مَزِيدٌ، وَإِنْ خَسِرَ فِي الدُّنْيَا رَبِحَ فِي الْآخِرَةِ. الثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ الْقِيَامَ فِي صَنْعَتِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ بِفَرْضٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، فَإِنَّ الصِّنَاعَاتِ وَالتِّجَارَاتِ لَوْ تُرِكَتْ بَطَلَتِ الْمَعَايِشُ وَهَلَكَ أَكْثَرُ الْخَلْقِ، فَانْتِظَامُ أَمْرِ الْكُلِّ بِتَعَاوُنِ الْكُلِّ وَتَكَفُّلِ كُلِّ فَرِيقٍ بِعَمَلٍ، وَمِنَ الصِّنَاعَاتِ مَا هِيَ مُهِمَّةٌ، وَمِنْهَا مَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا لِرُجُوعِهَا إِلَى طَلَبِ التَّنَعُّمِ وَالتَّزَيُّنِ فِي الدُّنْيَا، فَلْيَشْتَغِلْ بِصِنَاعَةٍ مُهِمَّةٍ لِيَكُونَ لِقِيَامِهِ بِهَا كَافِيًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ مُهِمًّا فِي الدِّينِ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَمْنَعَهُ سُوقُ الدُّنْيَا عَنْ سُوقِ الْآخِرَةِ، وَأَسْوَاقُ الْآخِرَةِ الْمَسَاجِدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النُّورِ: 37] وَكَانَ السَّلَفُ يَبْتَدِرُونَ عِنْدَ الْأَذَانِ، وَيُخْلُونَ الْأَسْوَاقَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالصِّبْيَانِ. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا بَلْ يُلَازِمَ ذِكْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي السُّوقِ وَيَشْتَغِلَ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ، فَذِكْرُ اللَّهِ فِي السُّوقِ بَيْنَ الْغَافِلِينَ أَفْضَلُ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى السُّوقِ وَالتِّجَارَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ دَاخِلٍ وَآخِرَ خَارِجٍ. السَّادِسُ: أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى اجْتِنَابِ الْحَرَامِ بَلْ يَتَّقِيَ مَوَاقِعَ الشُّبُهَاتِ وَمَظَانَّ الرِّيَبِ وَيَسْتَفْتِيَ قَلْبَهُ، فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ حَزَازَةً اجْتَنَبَهُ، وَإِذَا حُمِلَ إِلَيْهِ سِلْعَةٌ رَابَهُ أَمْرُهَا سَأَلَ عَنْهَا، وَكُلُّ مَنْسُوبٍ إِلَى ظُلْمٍ أَوْ خِيَانَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ رِبًا فَلَا يُعَامِلُهُ. السَّابِعُ: يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَ جَمِيعَ مَجَارِيَ مُعَامَلَتِهِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مُعَامِلِيهِ فَإِنَّهُ مُرَاقَبٌ وَمُحَاسَبٌ فَلْيَعُدَّ الْجَوَابَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ. .كِتَابُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: .فَضِيلَةُ الْحَلَالِ وَمَذَمَّةُ الْحَرَامِ: وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «طَلَبُ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ». وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» الْمُرَادُ بِهِ: طَلَبُ عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَجَعَلَ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثَيْنِ وَاحِدًا. وَلَمَّا ذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرِيصَ عَلَى الدُّنْيَا قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مُشَرَّدٍ فِي الْأَسْفَارِ مَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ». وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ». وَأَمَّا الْآثَارُ: فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرِبَ لَبَنًا مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ، ثُمَّ سَأَلَ عَبْدَهُ فَقَالَ: تَكَهَّنْتُ لِقَوْمٍ فَأَعْطَوْنِي، فَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي فِيهِ وَجَعَلَ يَقِيءُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسَهُ سَتَخْرُجُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا حَمَلَتِ الْعُرُوقُ وَخَالَطَ الْأَمْعَاءَ. وَكَذَلِكَ شَرِبَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ لَبَنِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ غَلَطًا فَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ وَتَقَيَّأَ، وَقَالَ سهل التستري: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ أَرْبَعُ خِصَالٍ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ بِالسُّنَّةِ، وَأَكْلُ الْحَلَالِ بِالْوَرَعِ، وَاجْتِنَابُ النَّهْيِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْمَوْتِ. وَكَانَ بِشْرٌ الْحَافِي رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الْوَرِعِينَ فَقِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: مِنْ حَيْثُ تَأْكُلُونَ وَلَكِنْ لَيْسَ مَنْ يَأْكُلُ وَهُوَ يَبْكِي كَمَنْ يَأْكُلُ وَهُوَ يَضْحَكُ وَقَالَ: يَدٌ أَقْصَرُ مِنْ يَدٍ، وَلُقْمَةٌ أَصْغَرُ مِنْ لُقْمَةٍ. وَهَكَذَا كَانُوا يَحْتَرِزُونَ مِنَ الشُّبُهَاتِ. .أَصْنَافُ الْحَلَالِ وَمَدَاخِلُهُ: .الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْحَرَامُ لِصِفَةٍ فِي عَيْنِهِ: وَتَفْصِيلُهُ أَنَّ الْأَعْيَانَ الْمَأْكُولَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا تَعْدُو ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، فَإِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمَعَادِنِ كَالْمِلْحِ وَالطِّينِ وَغَيْرِهِمَا، أَوْ مِنَ النَّبَاتِ، أَوْ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ. فَأَمَّا الْمَعَادِنُ فَهِيَ أَجْزَاءُ الْأَرْضِ وَجَمِيعُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ إِلَّا مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْآكِلِ أَوْ فِي بَعْضِهَا مَا يَجْرِي مَجْرَى السُّمِّ، وَالْخُبْزُ لَوْ كَانَ مُضِرًّا لَحَرُمَ أَكْلُهُ، وَالطِّينُ الَّذِي يُعْتَادُ أَكْلُهُ لَا يَحْرُمُ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الضَّرَرُ. وَأَمَّا النَّبَاتُ: فَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ إِلَّا مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ وَيُزِيلُ الْحَيَاةَ أَوِ الصِّحَّةَ، فَمُزِيلُ الْعَقْلِ: الْبِنْجُ وَالْخَمْرُ وَسَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ، وَمُزِيلُ الْحَيَاةِ: السُّمُومُ، وَمُزِيلُ الصِّحَّةِ: الْأَدْوِيَةُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا. وَكَأَنَّ مَجْمُوعَ هَذَا يَرْجِعُ إِلَى الضَّرَرِ إِلَّا الْخَمْرَ وَالْمُسْكِرَاتِ فَإِنَّ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِنْهَا أَيْضًا حَرَامٌ مَعَ قِلَّتِهِ. وَأَمَّا الْحَيَوَانَاتُ: فَتَنْقَسِمُ إِلَى مَا يُؤْكَلُ وَإِلَى مَا لَا يُؤْكَلُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنَّمَا يَحِلُّ إِذَا ذُبِحَ ذَبْحًا شَرْعِيًّا رُوعِيَ فِيهِ شُرُوطُ الذَّابِحِ وَالْآلَةِ وَالْمَذْبَحِ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَمَا لَمْ يُذْبَحْ ذَبْحًا شَرْعِيًّا أَوْ مَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ. وَلَا يَحِلُّ إِلَّا مِيتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ. .الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَحْرُمُ لِخَلَلٍ فِي جِهَةِ إِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ: الْأَوَّلُ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ كَنَيْلِ الْمَعَادِنِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنَ الْأَنْهَارِ وَالِاحْتِشَاشِ فَهَذَا حَلَالٌ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مُخْتَصًّا بِذِي حُرْمَةٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ. الثَّانِي: الْمَأْخُوذُ قَهْرًا مِمَّنْ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَهُوَ الْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ وَسَائِرُ أَمْلَاكِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ، وَذَلِكَ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا أَخْرَجُوا مِنْهَا الْخُمْسَ وَقَسَّمُوهَا بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يَأْخُذُوهَا مِنْ كَافِرٍ لَهُ حُرْمَةٌ وَأَمَانٌ وَعَهْدٌ. الثَّالِثُ: مَا يُؤْخَذُ تَرَاضِيًا بِمُعَاوَضَةٍ وَذَلِكَ حَلَالٌ إِذَا رُوعِيَ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُصَحِّحَةُ مَعَ مَا تَعَبَّدَ الشَّرْعُ بِهِ مِنِ اجْتِنَابِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ. الرَّابِعُ: مَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ كَالْمِيرَاثِ وَهُوَ حَلَالٌ إِذَا كَانَ الْمَوْرُوثُ قَدِ اكْتُسِبَ مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَتَعْدِيلِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَإِخْرَاجِ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ إِنْ كَانَ وَاجِبًا. وَبَقِيَ أَقْسَامٌ أُخَرُ وَنَحْنُ أَشَرْنَا إِلَى جُمْلَتِهَا لِيَعْلَمَ الْمُرِيدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَأْكُلُهَا مِنْ جِهَتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفْتِيَ فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ وَلَا يُقْدِمَ عَلَيْهِ بِالْجَهْلِ، فَإِنَّهُ كَمَا يُقَالُ لِلْعَالِمِ: لِمَ خَالَفْتَ عِلْمَكَ؟ يُقَالُ لِلْجَاهِلِ: لِمَ لَازَمْتَ جَهْلَكَ وَلَمْ تَتَعَلَّمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ لَكَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ». .دَرَجَاتُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: وَقَدْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ تَرَكَ لِشَرِيكِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ حَاكَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مَعَ اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَكَانَ لِبَعْضِهِمْ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَلَى إِنْسَانٍ فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ فَأَخَذَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَتَوَرَّعَ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ خِيفَةَ الزِّيَادَةِ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَّجِرُ فَكُلُّ مَا يَسْتَوْفِيهِ يَأْخُذُهُ بِنُقْصَانِ حَبَّةٍ وَمَا يُعْطِيهِ يَزِنُهُ بِزِيَادَةِ حَبَّةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الِاحْتِرَازُ عَمَّا يَتَسَامَحُ بِهِ النَّاسُ فَإِنَّ ذَلِكَ حَلَالٌ فِي الْفَتْوَى وَلَكِنْ يُخَافُ مِنْ فَتْحِ بَابِهِ أَنْ يَنْجَرَّ إِلَى غَيْرِهِ وَتَأْلَفَ النَّفْسُ الِاسْتِرْسَالَ وَتَتْرُكَ الْوَرَعَ كَمَا تَوَرَّعَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَخْذِ تُرَابٍ مِنْ حَائِطِ بَيْتٍ كَانَ يَسْكُنُهُ بِكِرَاءٍ. وَكَمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُوزَنُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِسْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَ بِأَنْفِهِ حَتَّى لَا تُصِيبَهُ الرَّائِحَةُ، وَقَالَ لَمَّا اسْتُبْعِدَ ذَلِكَ مِنْهُ: وَهَلْ يُنْتَفَعُ مِنْهُ إِلَّا بِرِيحِهِ؟ وَمِنْهُ أَنْ بَعْضَهُمْ كَانَ عِنْدَ مُحْتَضَرٍ فَمَاتَ لَيْلًا، فَقَالَ: أَطْفِئُوا السِّرَاجَ فَقَدْ حَدَثَ لِلْوَرَثَةِ حَقٌّ فِي الدُّهْنِ، وَأَخَذَ الحسن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ وَكَانَ صَغِيرًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِخْ، كِخْ» أَيْ أَلْقِهَا. وَتَقَيَّأَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ اللَّبَنِ الَّذِي سَقَاهُ إِيَّاهُ رَفِيقُهُ- وَكَانَ تَكَهَّنَ فَأُعْطِيَ اللَّبَنُ أُجْرَةً لَهُ- وَذَلِكَ خِيفَةً مِنْ أَنْ يُحْدِثَ الْحَرَامُ فِيهِ قُوَّةً مَعَ أَنَّهُ شَرِبَهُ عَنْ جَهْلٍ وَكَانَ لَا يَجِبُ إِخْرَاجُهُ وَلَكِنَّ تَخْلِيَةَ الْبَطْنِ عَنِ الْخَبِيثِ مِنْ وَرَعِ الصِّدِّيقِينَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَشَدَّ تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ كَانَ أَخَفَّ ظَهْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَبْعَدَ عَنْ أَنْ تَتَرَجَّحَ كِفَّةُ سَيِّئَاتِهِ عَلَى كِفَّةِ حَسَنَاتِهِ. وَإِذَا عَلِمْتَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فَإِلَيْكَ الْخِيَارُ، فَإِنْ شِئْتَ فَاسْتَكْثِرْ مِنَ الِاحْتِيَاطِ، وَإِنْ شِئْتَ فَرَخِّصْ فَلِنَفْسِكَ تَحْتَاطُ وَعَلَى نَفْسِكَ تُرَخِّصُ وَالسَّلَامُ. .مَرَاتِبُ الشُّبُهَاتِ: الْحَلَالُ الْمُطْلَقُ: مَا خَلَا عَنْ ذَاتِهِ الصِّفَاتُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّحْرِيمِ فِي عَيْنِهِ، وَانْحَلَّ عَنْ أَسْبَابِهِ تَحْرِيمٌ أَوْ كَرَاهَةٌ. وَالْحَرَامُ الْمَحْضُ: هُوَ مَا فِيهِ صِفَةٌ مُحَرَّمَةٌ لَا يُشَكُّ فِيهَا كَالْخَمْرِ لِشِدَّتِهِ الْمُطْرِبَةِ وَالْبَوْلِ لِنَجَاسَتِهِ، أَوْ حَصَلَ بِسَبَبٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ قَطْعًا كَالْمُحَصَّلِ بِالظُّلْمِ وَالرِّبَا وَنَظَائِرِهِ، وَهَذَانَ طَرَفَانِ ظَاهِرَانِ، وَيَلْتَحِقُ بِالطَّرَفَيْنِ مَا تَحَقَّقَ أَمْرُهُ وَلَكِنَّهُ احْتَمَلَ تَغَيُّرَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالِاحْتِمَالُ الْمَعْدُومُ دَلَالَتُهُ كَالِاحْتِمَالِ الْمَعْدُومِ فِي نَفْسِهِ. وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ بِأَنْ تَعَارَضَ لَنَا فِيهِ اعْتِقَادَانِ صَدَرَا عَنْ سَبَبَيْنِ مُقْتَضِيَيْنِ لِلِاعْتِقَادَيْنِ. وَلِلشُّبْهَةِ مَثَارَاتٌ: الْمَثَارُ الْأَوَّلُ لِلشُّبْهَةِ: الشَّكُّ فِي السَّبَبِ الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَرِّمِ: فَإِنْ تَعَادَلَ الِاحْتِمَالَانِ كَانَ الْحُكْمُ لِمَا عُرِفَ قَبْلَهُ فَيُسْتَصْحَبُ وَلَا يُتْرَكُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ غَلَبَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَيْهِ بِأَنْ صَدَرَ دَلَالَةٌ مُعْتَبَرَةٌ كَانَ الْحُكْمُ لِلْغَالِبِ، وَلَا يَتَبَيَّنُ هَذَا إِلَّا بِالْأَمْثَالِ وَالشَّوَاهِدِ فَلْنُقَسِّمْهُ إِلَى أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ مَعْلُومًا مِنْ قَبْلُ ثُمَّ يَقَعُ الشَّكُّ فِي الْمُحَلِّلِ فَهَذِهِ شُبْهَةٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهَا وَيَحْرُمُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا. الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُعْرَفَ الْحِلُّ وَيُشَكَّ فِي الْمُحَرِّمِ فَالْأَصْلُ الْحِلُّ وَلَهُ الْحُكْمُ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ التَّحْرِيمُ وَلَكِنْ طَرَأَ مَا أَوْجَبَ تَحْلِيلَهُ بِظَنٍّ غَالِبٍ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْغَالِبُ حِلُّهُ، فَهَذَا يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنِ اسْتَنَدَ غَلَبَةُ الظَّنِّ إِلَى سَبَبٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فَالَّذِي يُخْتَارُ فِيهِ أَنَّهُ يَحِلُّ وَأَنَّ اجْتِنَابَهُ مِنَ الْوَرَعِ، مِثَالُهُ أَنْ يَرْمِيَ إِلَى صَيْدٍ فَيَغِيبَ ثُمَّ يُدْرِكَهُ مَيِّتًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرٌ سِوَى سَهْمِهِ، وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِسَقْطَةٍ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ حَلَالٌ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَطَرَيَانُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُدْفَعُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْحِلُّ مَعْلُومًا وَلَكِنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ طَرَيَانٌ مُحَرِّمٌ بِسَبَبٍ مُعْتَبَرٍ فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ شَرْعًا فَيَرْفَعُ الِاسْتِصْحَابَ وَيَقْضِي بِالتَّحْرِيمِ، مِثَالُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ اجْتِهَادُهُ إِلَى نَجَاسَةِ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى عَلَامَةٍ مُعَيَّنَةٍ تُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَتُوجِبُ تَحْرِيمَ شُرْبِهِ كَمَا تُوجِبُ مَنْعَ الْوُضُوءِ بِهِ. الْمَثَارُ الثَّانِي: شَكٌّ مَنْشَؤُهُ الِاخْتِلَاطُ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَخْتَلِطَ الْحَرَامُ بِالْحَلَالِ وَيَشْتَبِهَ الْأَمْرُ وَلَا يَتَمَيَّزَ. وَالْخَلْطُ أَنْوَاعٌ: نَوْعٌ يَقَعُ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ كَمَا لَوِ اخْتَلَطَتْ مَيْتَةٌ بِذَكِيَّةٍ أَوْ بِعَشْرٍ مُذَكَّاةٍ أَوِ اخْتَلَطَتْ رَضِيعَةٌ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ فَهَذِهِ شُبْهَةٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ وَالْعَلَامَاتِ فِي هَذَا، وَإِذَا اخْتَلَطَتْ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ صَارَتِ الْجُمْلَةُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَتَقَابَلَ فِيهِ يَقِينُ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فَضَعُفَ الِاسْتِصْحَابُ، وَجَانِبُ الْحَظْرِ أَغْلَبُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ. وَنَوْعٌ يَقَعُ فِيهِ حَرَامٌ مَحْصُورٌ بِحَلَالٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَمَا لَوِ اخْتَلَطَتْ رَضِيعَةٌ أَوْ عَشْرُ رَضَائِعَ بِنِسْوَةِ بَلَدٍ كَبِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهَذَا اجْتِنَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الْبَلَدِ بَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْحِلِّ وَالْحَاجَةِ جَمِيعًا، إِذْ كُلُّ مَنْ ضَاعَ لَهُ رَضِيعٌ أَوْ قَرِيبٌ أَوْ مُحَرَّمٌ بِمُصَاهَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ نِكَاحٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ مَالَ الدُّنْيَا خَالَطَهُ حَرَامٌ قَطْعًا لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الشِّرَاءِ وَالْأَكْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَجٍ وَمَا {فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الْحَجِّ: 78]، وَيُعْلَمُ هَذَا بِأَنَّهُ لَمَّا سُرِقَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِجَنٌّ وَغَلَّ وَاحِدٌ فِي الْغَنِيمَةِ عَبَاءَةً لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْ شِرَاءِ الْمَجَانِّ وَالْعَبَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا سُرِقَ، وَكَذَلِكَ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يُرَابِي فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا النَّاسُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ بِالْكُلِّيَّةِ. وَأَمَّا إِذَا اخْتَلَطَ حَرَامٌ لَا يُحْصَرُ بِحَلَالٍ لَا يُحْصَرُ كَحُكْمِ الْأَمْوَالِ فِي زَمَانِنَا هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِهَذَا الِاخْتِلَاطِ أَنْ يُتَنَاوَلَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ احْتَمَلَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَأَنَّهُ حَلَالٌ إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِتِلْكَ الْعَيْنِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْحَرَامِ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ أَكْثَرُ الْأَمْوَالِ حَرَامٌ فِي زَمَانِنَا غَلَطٌ مَنْشَؤُهُ اسْتِكْثَارُ النُّفُوسِ الْفَسَادَ وَاسْتِعْظَامُهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا، حَتَّى رُبَّمَا يَظُنُّ أَنَّ الزِّنَا وَشُرْبَ الْخَمْرِ قَدْ شَاعَ كَمَا شَاعَ الْحَرَامُ فَيَتَخَيَّلُ أَنَّهُمُ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّهُمُ الْأَقَلُّونَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ كَثْرَةً. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَصْلُ الْحِلُّ وَلَا يُرْفَعُ إِلَّا بِعَلَامَةٍ مُعَيَّنَةٍ. الْمَثَارُ الثَّالِثُ لِلشُّبْهَةِ: أَنْ يَتَّصِلَ بِالسَّبَبِ الْمُحَلِّلِ مَعْصِيَةٌ: كَالْبَيْعِ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالذَّبْحِ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ الْغَيْرِ وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِهِ، فَكُلُّ نَهْيٍ وَرَدَ فِي الْعُقُودِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَرَعٌ لِأَنَّ تَنَاوُلَ الْحَاصِلِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَكْرُوهٌ، وَالْكَرَاهَةَ تُشْبِهُ التَّحْرِيمَ، وَمِثْلُهُ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُفْضِي فِي سِيَاقِهِ إِلَى مَعْصِيَةٍ كَبَيْعِ الْعِنَبِ مِنَ الْخُمَّارِ وَبَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَفِي حِلِّ الثَّمَنِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَالْأَقْيَسُ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَالْمَأْخُوذَ حَلَالٌ وَالرَّجُلَ عَاصٍ بِعَقْدِهِ كَمَا يُعْصَى بِالذَّبْحِ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبِ وَالذَّبِيحَةَ حَلَالٌ، فَإِنَّهُ يَعْصِي عِصْيَانَ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِعَيْنِ الْعَقْدِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ هَذَا مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً وَتَرْكُهُ مِنَ الْوَرَعِ الْمُهِمِّ. تَنْبِيهٌ: لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدَقَائِقِ الْوَرِعِ إِلَّا بِحَضْرَةِ عَالِمٍ مُتْقِنٍ فَإِنَّهُ إِذَا جَاوَزَ مَا رُسِمَ لَهُ وَتَصَرَّفَ بِذِهْنِهِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ كَانَ مَا يُفْسِدُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ، وَالْمُتَنَطِّعُونَ هُمُ الَّذِينَ يُخْشَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ قِيلَ فِيهِمْ: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الْكَهْفِ: 104] وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي».
|